فرق بين العلم والتكنولوجيا تقودنا إلى أن العلم هو معرفة لماذا know why في حين أن التكنولوجيا هي معرفة الكيف know- how ، كما أن العلم يملك صفة العمومية، أما التكنولوجيا فتملك صفة الخصوصية، فالعلم قبل كل شيء هو نتاج فكري، أما التكنولوجيا فهي في الأساس نتاج علمي، وفي حين أن العلم من حيث المبدأ يمكن أن يكون فرديا بهدف إشباع رغبة ذاتية، فإن التكنولوجيا لا يمكن أن تكون إلا نتاجا جماعيا وموجها لخدمة المجتمع الذي تولدت فيه، فالعالم يريد قبل كل شيء إرضاء شغفه العلمي، وإثبات ذاته العلمية بين زملائه، أما مخترع الأساليب أو التكنولوجي فلا يقوم باختراعه إلا إرضاء لحاجة الجماعة، وهذا لا يعني ابد أن التكنولوجي محب للغير ، بل نقول إن رضا التكنولوجي المادي أو المعنوي لا يتم إلا من خلال تقويم المجتمع إيجابيا للشيء الذي اخترعه. أما عن فردية العلم وجماعية التكنولوجيا فالعلم يبقى فرديا وقابلا للتملك الفردي مالم يخرج من نطاق العقل الذي يحمله، ولكن إذا وصل إلى مجموعة من العلماء ينقلب العلم من حالة التملك الفردي إلى ملك مشاع وهنا تكمن عظمة العلم، وكل ما تبقى للعالم الأصلي من حقوق التأليف ينحصر في إشارة مؤرخي العلوم بعد حين إلى صاحب هذه المساهمة. كذلك فإن العلم والسرية عدوان لدودان، حيث يستحيل تجنيس العلم أو احتكاره، ولا يمكن نعته بالشرقي ولا بالغربي بل بالإنساني، وعندما نتكلم عن العلوم عند العرب في أوج حضارتهم، فلا نشير بذلك إلى جنسية هذه العلوم، وإنما إلى المستوى الرفيع الذي وصلت إليه هذه العلوم على أيدي العرب، وبالمعنى نفسه نتكلم اليوم عن العلوم عند الغرب، وليس عن العلوم الغربية، وعلى العكس فالتكنولوجيا هي الثمار التي يولدها مجتمع بعينه، لذا من الممكن أن نتكلم عن التكنولوجيا المتقدمة عند الصينيين أو الهنود أو العرب في الماضي، أو عن التكنولوجيا الغربية الحديثة في يومنا هذا، وإذا كان من المستحيل تأميم العلم أو احتكاره، فإن التكنولوجيا يمكن إخضاعها لأسوأ أنواع الاحتكار، كما هو حاصل في يومنا هذا على أوضح ما يكون.